وَغَيْرُهُ أَحْقَرُ فِي عَيْنِهِ مِنْ أَنْ يُقْصَدَ فِي ذَلِكَ بِنَفْيِ عِبَادَتِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَأَوَّلُ مَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ عَظَمَةُ مَنْ هُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾
لِيُطَابِقَ اللَّفْظُ الْمَعْنَى وَيَتَقَدَّمُ مَا تَقَدَّمَ حُضُورُهُ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ عِبَادَةٍ وَكَمَعْنَى اخْتِصَاصِهِ بِالْعِبَادَةِ اخْتِصَاصُهُ بِالْإِخْبَارِ بِعِبَادَتِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَكْوَانِ لَمْ يُخْبَرْ عَنْهُ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ مُعْرِضٌ عَنْهَا.
وَإِذَا تَأَمَّلْت مَوَاقِعَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ تَجِدُهُ كَذَلِكَ.
أَلَا تَرَى قَوْلَ الشَّاعِرِ : أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً وَنَارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نَارًا لَوْ قَدَّرْت فِيهِ الْحَصْرَ بِمَا وَإِلَّا هَلْ يَصِحُّ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ ؟ وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾
وَفِي تَقْدِيمِ الْآخِرَةِ وَبِنَاءِ يُوقِنُونَ عَلَى هُمْ تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَبِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إثْبَاتِ أَمْرِ الْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِصَادِرٍ عَنْ إيقَانٍ وَأَنَّ الْيَقِينَ مَا عَلَيْهِ مَنْ آمَنَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَقَالَ تَقْدِيمُ الْآخِرَةِ أَفَادَ أَنَّ إيقَانَهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى أَنَّهُ إيقَانٌ بِالْآخِرَةِ لَا بِغَيْرِهَا.


الصفحة التالية
Icon