والجواب عن الأول : أنا بينا أن هذه الآية من أقوى الدلائل على قولنا، وذلك لأن قوله ﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان﴾
[ المزمل : ٢٠ ] أمر، والأمر للوجوب، فهذا يقتضي أن قراءة ما تيسر من القرآن واجبة فنقول : المراد بما تيسر من القرآن إما أن يكون هو الفاتحة، أو غير الفاتحة أو المراد التخيير بين الفاتحة وبين غيرها، والأول : يقتضي أن يكون الفاتحة بعينها واجبة، وهو المطلوب، والثاني : يقتضي أن يكون قراءة غير الفاتحة واجبة بعينها، وهو باطل بالإجماع والثالث : يقتضي أن يكون المكلف مخيراً بين قراءة الفاتحة وبين قراءة غيرها، وذلك باطل بالإجماع ؛ لأن الأمة مجمعة على أن قراءة الفاتحة أولى من قراءة غيرها، وسلم أبو حنيفة أن الصلاة بدون قراءة الفاتحة خداج ناقص والتخيير بين الناقص والكامل لا يجوز.
واعلم أنه تعالى إنما سمى قراءة الفاتحة قراءة لما تيسر من القرآن لأن هذه السورة محفوظة لجميع المكلفين من المسلمين، فهي متيسرة للكل، وأما سائر السور فقد تكون محفوظة وقد لا تكون، وحينئذٍ لا تكون متيسرة للكل.
وعن الثاني : أنه معارض بما نقل عن أبي هريرة أنه قال : أمرني رسول الله ﷺ أن أخرج وأنادي : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وأيضاً لم لا يجوز أن يقال : المراد من قوله لا صلاة إلا بقراءة ولو بفاتحة الكتاب هو أنه لو اقتصر على الفاتحة لكفى ؟ وإذا ثبت التعارض فالترجيح معنا ؛ لأنه أحوط، ولأنه أفضل، والله أعلم.
المسألة الثالثة :
لما كان قول أبي حنيفة وأصحابه أن قراءة الفاتحة غير واجبة لا جرم اختلفوا في مقدار القراءة، فقال أبو حنيفة : إذا قرأ آية واحدة كفت، مثل قوله : ألم، وحم والطور، ومدهامتان، وقال أبو يوسف ومحمد : لا بدّ من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية واحدة طويلة مثل آية الدين.
المسألة الرابعة :