فصل


قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات ﴾ هذه الآية من أمّهات الأحكام تضمنّت جميع الدَّين والشرع.
وقد اختُلِف مَن المخاطب بها ؛ فقال علي بن أبي طالب وزيد بن أسلم وشَهْر بن حَوْشَب وابن زيد : هذا خطاب لولاة المسلمين خاصَّة، فهي للنبي ﷺ وأُمَرائه، ثم تتناول من بعدهم.
وقال ابن جريج وغيره : ذلك خطاب للنبي ﷺ خاصة في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن أبي طلحة الحَجَبي العَبْدَري من بني عبد الدّار ومن ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وكانا كافرين وقت فتح مكة، فطلبه العباس بن عبد المطلب لتنضاف له السِّدانة إلى السِّقاية ؛ فدخل رسول الله ﷺ الكعبة فكسر ما كان فيها من الأوثان، وأخرج مقام إبراهيم ونزل عليه جبريل بهذه الآية.
قال عمر بن الخطاب : وخرج رسول الله ﷺ وهو يقرأ هذه الآية، وما كنت سمعتها قبلُ منه، فدعا عثمان وشيبة فقال :" خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم " وحكى مَكِّي : أن شيبة أراد ألاّ يدفع المفتاح، ثم دفعه، وقال للنبي ﷺ : خذه بأمانة الله.
وقال ابن عباس : الآية في الولاة خاصة في أن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ويردُوهن إلى الأزواج.
والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات والعدل في الحكومات.
وهذا اختيار الطبري.
وتتناول مَن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرّز في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة مّا ونحوه ؛ والصلاةُ والزكاةُ وسائرُ العبادات أمانة الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon