والجواب : أنه لا نزاع أن جماعة من الصحابة والتابعين حملوا قوله :﴿وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ﴾ على العلماء، فإذا قلنا : المراد منه جميع العلماء من أهل العقد والحل لم يكن هذا قولا خارجا عن أقوال الأمة، بل كان هذا اختياراً لأحد أقوالهم وتصحيحا له بالحجة القاطعة، فاندفع السؤال الأول.
وأما سؤالهم الثاني فهو مدفوع، لأن الوجوه التي ذكروها وجوه ضعيفة، والذي ذكرناه برهان قاطع، فكان قولنا أولى، على أنا نعارض تلك الوجوه بوجوه أخرى أقوى منها : فأحدها : أن الأمة مجمعة على أن الأمراء والسلاطين إنما يجب طاعتهم فيما علم بالدليل أنه حق وصواب، وذلك الدليل ليس إلا الكتاب والسنة، فحينئذ لا يكون هذا قسما منفصلا عن طاعة الكتاب والسنة، وعن طاعة الله وطاعة رسوله، بل يكون داخلا فيه، كما أن وجوب طاعة الزوجة للزوج والولد للوالدين، والتلميذ للأستاذ داخل في طاعة الله وطاعة الرسول، أما إذا حملناه على الإجماع لم يكن هذا القسم داخلا تحتها، لأنه ربما دل الإجماع على حكم بحيث لا يكون في الكتاب والسنة دلالة عليه، فحينئذ أمكن جعل هذا القسم منفصلا عن القسمين الأولين، فهذا أولى.
وثانيها : أن حمل الآية على طاعة الأمراء يقتضي إدخال الشرط في الآية، لأن طاعة الأمراء إنما تجب إذا كانوا مع الحق، فإذا حملناه على الإجماع لا يدخل الشرط في الآية، فكان هذا أولى.
وثالثها : أن قوله من بعد :﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله﴾ مشعر باجماع مقدم يخالف حكمه حكم هذا التنازع.