وأما القسم الثالث : وهو أمانة الإنسان مع نفسه فهو أن لا يختار لنفسه إلا ما هو الأنفع والأصلح له في الدين والدنيا، وأن لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره في الآخرة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " فقوله :﴿يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أهلها﴾ يدخل فيه الكل، وقد عظم الله أمر الأمانة في مواضع كثيرة من كتابه فقال :﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ] وقال :﴿والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون﴾ [ المؤمنون : ٨ ] وقال :﴿لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتَخُونُواْ أماناتكم﴾ [ الأنفال : ٢٧ ] وقال عليه الصلاة والسلام :" لا إيمان لمن لا أمانة له " وقال ميمون بن مهران : ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر : الأمانة والعهد وصلة الرحم.
وقال القاضي : لفظ الأمانة وإن كان متناولا للكل إلا أنه تعالى قال في هذه الآية :﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا﴾ فوجب أن يكون المراد بهذه الأمانة ما يجري مجرى المال ؛ لأنها هي التي يمكن أداؤها إلى الغير. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١١١ ـ ١١٢﴾

فصل


قال ابن عاشور :
وجملة ﴿ إنّ الله يأمركم ﴾ صريحة في الأمر والوجوب، مثل صراحة النهي في قوله في الحديث " إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ".
( وإنّ ) فيها لمجرد الاهتمام بالخبَر لظهور أنّ مثل هذا الخبر لا يقبل الشكّ حتّى يؤكّد لأنّه إخبار عن إيجاد شيء لا عن وجوده، فهو والإنشاء سواء.
والخطاب لكلّ من يصلح لتلقّي هذا الخطاب والعمل به من كلّ مؤتمن على شيء، ومن كلّ من تولّى الحكم بين الناس في الحقوق.


الصفحة التالية
Icon