الثالث : أن قوله تعالى في أول الآية صريح في إظهار التعجب من أنهم كيف تحاكموا إلى الطاغوت مع أنهم قد أمروا أن يكفروا به، ولو كان ذلك التحاكم بخلق الله لما بقي التعجب، فإنه يقال : إنما فعلوا لأجل أنك خلقت ذلك الفعل فيهم وأردته منهم، بل التعجب من هذا التعجب أولى، فإن من فعل ذلك فيهم ثم أخذ يتعجب منهم انهم كيف فعلوا ذلك كان التعجب من هذا التعجب أولى.
واعلم أن حاصل هذا الاستدلال يرجع إلى التمسك بطريقة المدح أو الذم، وقد عرفت منا أنا لا نقدح في هذه الطريقة إلا بالمعارضة بالعلم والداعي والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٢٤ ـ ١٢٥﴾
من فوائد الآلوسى فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ خطاب للنبي ﷺ، وتعجيب له عليه الصلاة والسلام أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك.
﴿ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ ﴾ من الزعم وهو كما في "القاموس" "مثلث القول : الحق والباطل والكذب ضد، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه" ومن هنا قيل : إنه قول بلا دليل، وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق، وفي الحديث عن النبي ﷺ "زعم جبريل" وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه "زعم رسولك" وقد أكثر سيبويه في الكتاب من قوله : زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها وفي "شرح مسلم للنووي" أن زعم في كل هذا بمعنى القول، والمراد به هنا مجرد الادعاء أي يدعون.
﴿ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ أي القرآن.
﴿ وَمَا أَنَزلَ ﴾ إلى موسى عليه السلام ﴿ مِن قَبْلِكَ ﴾ وهو التوراة، ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح، وقرىء ﴿ أَنَزلَ وَمَا أَنَزلَ ﴾ بالبناء للفاعل.


الصفحة التالية
Icon