ولما كان الرقيب في الأمانات لا بد له من أن يكون له من يد سمع وعلم قال :﴿كان﴾ أي ولم يزل ولا يزال ﴿سميعاً﴾ أي بالغ السمع لكل ما يقولونه جواباً لأمره وغيره ذلك ﴿بصيراً﴾ أي بالغ البصر والعلم بكل ما يفعلونه في ذلك وغيره من امتثال وغيره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٧٠ ـ ٢٧١﴾
وقال الفخر :
اعلم انه سبحانه لما شرح بعض أحوال الكفار وشرح وعيده عاد إلى ذكر التكاليف مرة أخرى، وأيضا لما حكى عن أهل الكتاب أنهم كتموا الحق حيث قالوا للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات، أو من باب الدنيا والمعاملات، وأيضا لما ذكر في الآية السابقة الثواب العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكان من أجل الأعمال الصالحة الأمانة لا جرم أمر بها في هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١١١﴾
وقال أبو حيان :
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين، وذكر عمل الصالحات، نبه على هذين العملين الشريفين اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة، فأحدهما ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره وهو أداء الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، والثاني ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين.
ولما كان الترتيب الصحيح أنْ يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار، ثم يشتغل بحال غيره، أمر بأداء الأمانة أولاً ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٨٩﴾