الثاني : أن المراد لو كتب الله على الناس ما ذكر لم يفعله إلا قليل منهم، وعلى هذا التقدير دخل تحت هذا الكلام المؤمن والمنافق، وأما الضمير في قوله :﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ فهو مختص بالمنافقين، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا، وعلى هذا التقدير يجب أن يكون المراد بالقليل المؤمنين، روي أن ثابت بن قيس بن شماس ناظر يهوديا، فقال اليهودي : إن موسى أمرنا بقتل أنفسنا فقبلنا ذلك، وإن محمدا يأمركم بالقتال فتكرهونه، فقال : يا أنت لو أن محمدا أمرني بقتل نفسي لفعلت ذلك، فنزلت هذه الآية.
وروي أن ابن مسعود قال مثل ذلك، فنزلت هذه الآية.
وقال النبي ﷺ :" والذي نفسي بيده إن من أمتي رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : والله لو أمرنا ربنا بقتل أنفسنا لفعلنا والحمد لله الذي لم يأمرنا بذلك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٣٤﴾
فصل
قال الآلوسى :
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ أي فرضنا وأوجبنا ﴿ أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ ﴾ أي كما أمرنا بني إسرائيل وتفسير ذلك بالتعرض له بالجهاد بعيد ﴿ أَوِ اخرجوا مِن دياركم ﴾ كما أمرنا بني إسرائيل أيضاً بالخروج من مصر.
والمراد إنما كتبنا عليهم إطاعة الرسول والانقياد لحكمه والرضا به ولو كتبنا عليهم القتل والخروج من الديار كما كتبنا ذلك على غيرهم ﴿ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ ﴾ وهم المخلصون من المؤمنين كأبي بكر رضي الله تعالى عنه.