وقال الماتريدي : وقيل ما يوعظون به من الأمر من القرآن.
وهذه كلها تفاسير تخالف الظاهر، لأن الوعظ هو التذكار بما يحل بمن خالف أمر الله تعالى من العقاب، فلموعظ به هي الجمل الدالة على ذلك، ولا يمكن حمله على هذا الظاهر، لأنهم لم يؤمروا بأنْ يفعلوا الموعظ به، وإنما عرض لهم شرح ذلك بما خالف الظاهر، لأنهم علقوا به بقوله : ما يوعظون، على طريقة ما يفهم من قولك : وعظتك بكذا، فتكون الباء قد دخلت على الشيء الموعظ به وهي الجملة الدالة على الوعظ.
أما إذا كان المعنى على أنّ الباء للسببية فيحمل إذ ذاك اللفظ على الظاهر، ويصح المعنى، ويكون التقدير : ولو أنهم فعلوا الشيء الذي يوعظون بسببه أي : بسبب تركه.
ودلّ على حذف تركه قوله : ولو أنهم فعلوا.
ويبقى لفظ يوعظون على ظاهره، ولا يحتاج إلى ما تأولوه. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٩٨﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
ومعنى كونه ﴿ أشدّ تثبيتاً ﴾ يحتمل أنّه التثبيت على الإيمان وبذلك فسّروه ويحتمل عندي أنّه أشدّ تثبيتاً لهم، أي لبقائهم بين أعدائهم ولعزّتهم وحياتهم الحقيقية فإنّهم إنّما يكرهون القتال استبقاء لأنفسهم، ويكرهون المهاجرة حبّاً لأوطانهم، فعلّمهم الله أنّ الجهاد والتغرب فيه أو في غيره أشدّ تثبيتاً لهم، لأنّه يذود عنهم أعداءهم، كما قال الحصين بن الحُمَام :
تأخَّرْتُ أسْتَبْقِي الحياة فلم أجد...
لنفسي حياةً مثلَ أن أتقدّما
وممّا دلّ على أنّ المراد بالخير خير الدنيا، وبالتثبيت التثبيت فيها، قوله عاطفاً عليه ﴿ وإذن لآتيناهُم من لَدُنَّا أجراً عظيماً ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٨٠﴾


الصفحة التالية
Icon