ثم إنه سبحانه أمر الرعاة بطاعة الولاة كما أمر الولاة في الآية المتقدمة بالشفقة على الرعاة فقال :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ﴾ الآية. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا. قالت المعتزلة : الطاعة موافقة الإرادة. وقالت الأشاعرة : الطاعة موافقة الأمر. ولا نزاع أن موافقة الأمر طاعة إنما النزاع في أن المأمور به كإيمان أبي لهب هل يكون مراداً أم لا. فعند الأشاعرة الأمر قد يوجد بدون الإرادة لئلا يلزم الجمع بين الضدين في تكليف أبي لهب مثلاً بالإيمان. وعند المعتزلة لا يأمر إلا بما يريد والخلاف بين الفريقين مشهور. قال في التفسير الكبير : هذه آية مشتملة على أكثر علم أصول الفقه لأن أصول الشريعة أربعة : الكتاب والسنة وأشار إليهما بقوله :﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ وليس العطف للمغايرة الكلية، ولكن الكتاب يدل على أمر الله، ثم يعلم منه أمر الرسول لا محالة. والسنة تدل على أمر الرسول ثم يعلم منه أمر الله. والإجماع والقياس. وأشير إلى الإجماع بقوله :﴿ وأولي الأمر ﴾ لأنه تعالى أمر بطاعتهم على سبيل الجزم. ووجب أن يكون معصوماً لأن لو احتمل إقدامه على الخطا والخطأ منهي عنه لزم اعتبار اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد وإنه محال. ثم ذلك المعصوم إما مجموع الأمة أو بعضها على ما يقوله الشيعة من أن المراد بهم الأئمة المعصومون، أو على ما زعم بعضهم أنهم الخلفاء الراشدون، أو على ما روي عن سعيد بن جبير وابن عباس أنهم أمراء السرايا كعبدالله بن حذافة السهمي أو كخالد بن الوليد إذ بعثه رسول الله ﷺ في سرية وكان معه عمار بن ياسر فوقع بينهما خلاف فنزلت الآية.


الصفحة التالية