فلما جاء السيل وأرادوا أن يرووا بساتينهم حدث خلاف بين الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة، فأرض الزبير تعلو أرض حاطب وحاطب يريد أن تمر المياه لأرضه أولاً ثم يروي الزبير أرضه بعد ذلك. فلما تحاكما إلى رسول الله ﷺ حكم للزبير فقد كان الحق معه، ولم يكن الرسول ليلوي الحق لمجرد القرابة، فمن الناس من يحكم بالظلم ليشتهر بين الناس بالعدل، فقد يتخاصم ابنه مع واحد آخر والحق مع ابنه، فلكيلا يقول الناس : إنه جامل ابنه. يحكم على ابنه! وهذا ليس عدلاً ؛ فالعدل أن تحكم بالحق ثم تطلب من ابنك أن يتنازل عن حقه ليصبح عطاؤه لغيره فضلاً. فالشجاعة هي أن تحكم بالحق، وهناك شجاعة أقوى وهي أن تحكم بالحق، وإن كان على نفسك، لأن الحق أعز من نفسك.
ونص هذه الواقعة كما أوردها الإمام البخاري في صحيحه بسنده قال :" حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بَدْراً إلى رسول الله ﷺ في شراج من الحرة كان يسقيان به كلاهما فقال رسول الله عليه وسلم للزبير : اسقِ يا زبير ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال : يا رسول الله آنْ كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله ﷺ ثم قال : اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر فاستوعى رسول الله ﷺ حينئذ للزبير حقه وكان رسول الله ﷺ قبل ذلك أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله ﷺ استوعى للزبير حقه في صريح الحكم، قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾.


الصفحة التالية
Icon