الوجه الثاني : أنه كلام متصل بما قبله، وتقريره انه تعالى لما حكى عنهم في الآية المتقدمة أنهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويفرون من الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الفرار دل ذلك على شدة نفرتهم من الحضور عند الرسول والقرب منه، فلما ذكر ذلك قال :﴿فَكَيْفَ إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني إذا كانت نفرتهم من الحضور عند الرسول في أوقات السلامة هكذا، فكيف يكون حالهم في شدة الغم والحسرة إذا أتوا بجناية خافوا بسببها منك، ثم جاؤك شاؤا أم أبوا ويحلفون بالله على سبيل الكذب : أنا ما أردنا بتلك الجناية إلا الخير والمصلحة، والغرض من هذا الكلام بيان ان ما في قلبهم من النفرة عن الرسول لا غاية له، سواء غابوا أم حضروا، وسواء بعدوا أم قربوا، ثم إنه تعالى أكد هذا المعنى بقوله :﴿أُولَئِكَ الذين يَعْلَمُ الله مَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾ والمعنى أن من أراد المبالغة في شيء قال : هذا شيء لا يعلمه إلا الله، يعني أنه لكثرته وقوته لا يقدر أحد على معرفته إلا الله تعالى، ثم لما عرف الرسول عليه الصلاة والسلام شدة بغضهم ونهاية عداوتهم ونفرتهم أعلمه انه كيف يعاملهم فقال :﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾ وهذا الكلام على ما قررناه منتظم حسن الاتساق لا حاجة فيه إلى شيء من الحذف والإضمار، ومن طالع كتب التفسير علم ان المتقدمين والمتأخرين كيف اضطربوا فيه والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٢٥ ـ ١٢٦﴾
فصل
قال الفخر :
ذكروا في تفسير قوله :﴿أصابتهم مُّصِيبَةٌ﴾ وجوها :