أَقُولُ : وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَلَمْ تَرَ اسْتِفْهَامُ تَعْجِيبٍ مِنْ أَمْرِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَيَأْتُونَ بِمَا يُنَافِي الْإِيمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ وَأَحْوَالُ الْأُمَمِ تَكُونُ مُتَشَابِهَةً ؛ لِأَنَّهَا مَظْهَرُ أَطْوَارِ الْبَشَرِ، فَالْإِيمَانُ الصَّحِيحُ بِكُتُبِ اللهِ وَرُسُلِهِ يَقْتَضِي الِاتِّبَاعَ وَالْعَمَلَ بِمَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ تِلْكَ الرُّسُلِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ رَاسِخٍ فِي نَفْسِ مُدَّعِيهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ بِضِدِّ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى ؟ هَكَذَا كَانَ يَدَّعِي الْإِيمَانَ بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ جَمِيعُ الْيَهُودِ حَتَّى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَيَأْكُلُونَ السُّحْتَ وَيُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَهَكَذَا كَانَ فِي مُسْلِمِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مَنْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أَنْزِلُ إِلَى الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَرْغَبُونَ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَيْهِ إِلَى التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَهَكَذَا شَأْنُ النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ لَا يَكُونُونَ كُلُّهُمْ عُدُولًا صَادِقِينَ فِي مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ، وَلَا يَكُونُونَ كُلُّهُمْ مُنَافِقِينَ أَوْ فَاسِقِينَ فِي مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ، وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ كُلَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَأَوُا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانُوا عُدُولًا، وَالْقُرْآنُ يَصِفُ بَعْضَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَيُسَجِّلُ عَلَى بَعْضِهِمُ