فإنّ ( تعال ) كلمة تدلّ على الأمر بالحضور والإقبال، فمفادها مفاد حرف النداء إلاّ أنّها لا تنبيه فيها.
وقد اختلف أيمّة العربية في أنّه فعل أو اسمُ فعلٍ، والأصحّ أنّه فعل لأنّه مشتقّ من مادّة العلوّ، ولذلك قال الجوهري في "الصحاح" "والتعالي الارتفاع"، تقول منه، إذا أمرت :"تعال يا رجل"، ومثله في "القاموس"، ولأنّه تتّصل به ضمائر الرفع، وهو فعل مبني على الفتح على غير سنّة فِعل الأمر، فذلك البناء هو الذي حدا فريقاً من أهل العربية على القول بأنّه اسم فعل، وليس ذلك القول ببعيد، ولم يَرِد عن العرب غير فتح اللام، فلذلك كان كسر اللام في قول أبي فِراس :
أيا جارتَا ما أنصف الدهر بيننا...
تعالي أقاسمك الهموم تَعالي
بكسر لام القافية المكسورة، معدوداً لحناً.
وفي "الكشّاف" أنّ أهل مكة أي في زمان الزمخشري يقولون تعالِي للمرأة.
فذلك من اللحن الذي دخل في اللغة العربية بسبب انتشار الدُّخلاء بينهم.
ووجه اشتقاق تعالَ من مادّة العلوّ أنّهم تخيّلوا المنادي في علوّ والمنادي ( بالفتح ) في سفل، لأنّهم كانوا يجعلون بيوتهم في المرتفعات لأنّها أحصن لهم، ولذلك كان أصله أن يدلّ على طلب حضور لنفع.
قال ابن عطية في تفسير في قوله تعالى :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ﴾ في سورة المائدة ( ١٠٤ ) :"تعال نداء ببرّ، هذا أصله، ثم استعمل حيث البرّ وحيث ضدّه".
وقال في تفسير آية النساء :"وهي لفظة مأخوذة من العلوّ لمّا استعملت في دعاء الإنسان وجلبه صيغت من العلوّ تحسيناً للأدب كما تقول : ارتفع إلى الحقّ ونحوه".
واعلم أنّ تعال لمّا كانت فعلاً جامداً لم يصحّ أن يصاغ منه غير الأمر، فلا تقول : تعاليت بمعنى حضرت، ولا تنهى عنه فتقول : لا تتعال.


الصفحة التالية
Icon