اعلم أنه تعالى لما أمر بطاعة الرسول في قوله :﴿وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ﴾ ثم حكى أن بعضهم تحاكم إلى الطاغوت ولم يتحاكم إلى الرسول، وبين قبح طريقه وفساد منهجه، رغب في هذه الآية مرة أخرى في طاعة الرسول فقال :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٢٨﴾
لطيفة
قال ابن عطية :
﴿ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ﴾ تنبيه على جلالة الرسل، أي : فأنت يا محمد منهم، تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٧٤﴾
فصل
قال الفخر :
قال أبو علي الجبائي : معنى الآية : وما أرسلت من رسول إلا وأنا مريد أن يطاع ويصدق ولم أرسله ليعصى.
قال : وهذا يدل على بطلان مذهب المجبرة لانهم يقولون : انه تعالى أرسل رسلا لتعصى، والعاصي من المعلوم أنه يبقى على الكفر، وقد نص الله على كذبهم في هذه الآية، فلو لم يكن في القرآن ما يدل على بطلان قولهم إلا هذه الآية لكفى، وكان يجب على قولهم أن يكون قد أرسل الرسل ليطاعوا وليعصوا جميعا، فدل ذلك على أن معصيتهم للرسل غير مرادة لله، وأنه تعالى ما أراد ألا أن يطاع.
واعلم أن هذا الاستدلال في غاية الضعف وبيانه من وجوه : الأول : ان قوله :﴿إلاَّ لِيُطَاعَ﴾ يكفي في تحقيق مفهومه أن يطيعه مطيع واحد في وقت واحد، وليس من شرط تحقق مفهومه أن يطيعه جميع الناس في جميع الاوقات، وعلى هذا التقدير فنحن نقول بموجبه : وهو أن كل من أرسله الله تعالى فقد أطاعه بعض الناس في بعض الاوقات، اللهم الا أن يقال : تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، الا أن الجبائي لا يقول بذلك، فسقط هذا الإشكال على جميع التقديرات.