فصل فى التفسير الإشارى فى الآيات السابقة
قال الآلوسى :
ومن باب الإشارة في الآيات :﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا ﴾ أمر للعارفين أن يظهروا ما كوشفوا به من الأسرار الإلهية لأمثالهم ويكتموا ذلك عن الجاهلين، أو أن يؤدوا حق كل ذي حق إليه فيعطوا الاستعداد حقه وألقوا حقها وآخر الآمانات أداء أمانة الوجود فليؤده العبد إلى سيده سبحانه وليفن فيه عز وجل :﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس ﴾ بالإرشاد ولا يكون إلا بعد الفناء والرجوع إلى البقاء ﴿ أَن تَحْكُمُواْ بالعدل ﴾ [ النساء : ٥٨ ] وهو الإفاضة حسب الاستعداد ﴿ بَصِيراً يا أيها الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله ﴾ بتطهير كعبة تجليه وهو القلب عن أصنام السوى ﴿ وَأَطِيعُواْ الرسول ﴾ بالمجاهدة وإتعاب البدن بأداء رسوم العبادة التي شرعها لكم ﴿ وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ ﴾ وهم المشايخ المرشدون بامتثال أمرهم فيما يرونه صلاحاً لكم وتهذيباً لأخلاقكم.
وربما يقال : إنه سبحانه جعل الطاعة على ثلاث مراتب، وهي في الأصل ترجع إلى واحدة : فمن كان أهلاً لبساط القربة وفهم خطاب الحق بلا واسطة كالقائل أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، ونحن أخدناه من الحي الذي لا يموت، فليطلع الله تعالى بمراده وليتمثل ما فهمه منه، ومن لم يبلغ هذه الدرجة فليرجع إلى بيان الواسطة العظمى وهو الرسول ﷺ إن فهم بيانه، أو استطاع الأخذ منه كبعض أهل الله تعالى، وليطعه فيما أمر ونهى، ومن لم يبلغ إلى هذه الدرجة فليرجع إلى بيان أكابر علماء الأمة وليتقيد بمذهب من المذاهب وليقف عنده في الأوامر والنواهي ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء ﴾ أنتم والمشايخ، وذلك في مبادي السلوك حيث النفس قوية ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى الله ﴾ تعالى