﴿ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُواْ جَمِيعاً ﴾ أي لتكن النفرة منكم على مقدار ما لديكم من الحذر، و " ثبات " جمع ثُبَة وهي الطائفة أي انفروا سَرِيّة بعد سَرِيَّة و " جميعا " أي اخرجوا كلكم لمواجهة العدو، وعلى ذلك يجب أن نكون على مستوى ما يهيج من الشر. فإن هاجمتنا فصيلة أو سرية، نفعل كما كان يفعل رسول الله ﷺ ؛ فقد كان يرسل سرية على قدر المسألة التي تهددنا، وإن كان الأمر أكبر من ذلك ويحتاج لتعبئة عامة فنحن ننفر جميعا. ولاحظوا أن الحق يخاطب المؤمنين ويعلم أن لهم أغياراً قد تأتي في نفوسهم مع كونهم مؤمنين. فقد تخور النفس عند مواجهة الواقع على الرغم من وجود الإيمان.
ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
[البقرة : ٢٤٦].
لقد كانوا هم الذين يطلبون القتال، وما داموا هم الذين قد طلبوا القتال فلا بد أن يفرحوا حين يأتي لهم الأمر من الله بذلك القتال ؛ لكن الله أعلم بعباده لذلك قال لهم :
﴿ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ ﴾
[البقرة : ٢٤٦].
فأوضح لهم الحق أن فكروا جيدا في أنكم طلبتم القتال وإياكم ألا تقاتلوا عندما نكتب عليكم هذا القتال لأنني لم أفرضه ابتداء، ولكنكم أنتم الذين طلبتم، ولأن الكلام مازال نظريا فقد قالوا متسائلين :
﴿ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا ﴾
[البقرة : ٢٤٦].
لقد تعجبوا واستنكروا ألا يقاتلوا في سبيل الله، خصوصاً أنهم يملكون السبب الذي يستوجب القتال وهو الإخراج من الديار وترك الأبناء، لكن ماذا حدث عندما كتب الحق عليهم القتال ؟ :