ولما تسبب عن هذا معرفة أنهم أخطؤوا في ذلك، فاستحقوا الإنكار قال منكراً عليهم :﴿فما﴾ وحقرهم بقوله :﴿لهؤلاء﴾ وكأنه قال :﴿القوم﴾ الذي هو دال على القيام والكفاية، إما تهكماً بهم، وإما نسبة لهم إلى قوة الأبدان وضعف المكان ﴿لا يكادون يفقهون﴾ لا يقربون من أن يفهموا ﴿حديثاً﴾ أي يلقي إليهم أصلاً فهما جيداً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٨٣ ـ ٣٨٥﴾

فصل


قال الفخر :
المقصود من هذا الكلام تبكيت من حكى عنهم أنهم عند فرض القتال يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال، فقال تعالى :﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت﴾ فبين تعالى أنه لا خلاص لهم من الموت، والجهاد موت مستعقب لسعادة الآخرة، فإذا كان لا بد من الموت، فبأن يقع على وجه يكون مستعقباً للسعادة الأبدية كان أولى من أن لا يكون كذلك، ونظير هذه الآية قوله :﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَوِ القتل وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [ الأحزاب : ١٦ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٤٩﴾
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت ﴾ شرط ومجازاة، و"ما" زائدة وهذا الخطاب عام وإن كان المراد المنافقين أو ضَعَفة المؤمنين الذين قالوا :﴿ لولا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ أي إلى أن نموت بآجالنا، وهو أشبه بالمنافقين كما ذكرنا، لقولهم لما أُصيب أهل أُحُد، قالوا :﴿ لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٥٦ ] فردّ الله عليهم ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ قاله ابن عباس في رواية أبي صالح عنه.
وواحد البروج بُرْج، وهو البناء المرتفع والقصر العظيم.


الصفحة التالية
Icon