إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنه تعالى حكى عن هذا المنافق سروره وقت نكبة المسلمين، ثم أراد أن يحكي حزنه عند دولة المسلمين بسبب أنه فاته الغنيمة، فقبل أن يذكر هذا الكلام بتمامه ألقى في البين قوله :﴿كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾ والمراد التعجب كأنه تعالى يقول : انظروا إلى ما يقول هذا المنافق كأنه ليس بينكم أيها المؤمنون وبينه مودة ولا مخالطة أصلا، فهذا هو المراد من الكلام، وهو وإن كان كلاما واقعا في البين على سبيل الاعتراض إلا أنه في غاية الحسن. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٤٣ ـ ١٤٤﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
وجملة ﴿ كَأنْ لم يكن بينكم وبينه مودة ﴾ معترضة بين فعل القول ومَقُولِه.
والمودّة الصحبة والمحبّة ؛ وإمّا أن يكون إطلاق المودّة على سبيل الاستعارة الصورية إن كان المراد به المنافق، وإمّا أن تكون حقيقة إن أريد ضعفة المؤمنين.
وشبّه حالهم في حين هذا القول بحال من لم تسبق بينه وبين المخاطبين مودّة حقيقية أو صوريّة، فاقتضى التشبيه أنّه كان بينه وبينهم مودّة من قبل هذا القول.
ووجه هذا التشبيه أنّه لمّا تمنّى أن لو كان معهم وتحسّر على فوات فوزه لو حضر معهم، كان حاله في تفريطه رفقتهم يشبه حال من لم يكن له اتّصال بهم بحيث لا يشهد ما أزمَعوا عليه من الخروج للجهاد، فهذا التشبيه مسوق مساق زيادة تنديمه وتحسيره، أي أنّه الذي أضاع على نفسه سببَ الانتفاع بما حصل لرفقته من الخير، أي أنّه قد كان له من الخلطة مع الغانمين ما شأنه أن يكون سبباً في خروجه معهم، وانتفاعه بثواب النصر وفخره ونعمة الغنيمة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٨٥﴾


الصفحة التالية
Icon