وقال ابن عَطيّة : المنافق يُعَاطِي المؤمنين المَوَدَّة، ويُعَاهِدُ على الْتِزَامٍ حِلْفِ الإسْلاَمِ، ثم يَتَحلَّف نِفَاقاً وشَكّاً وكُفْراً بالله ورسُوله، ثم يَتَمَنَّى عِنْدَما ينكشف الغَيْبُ الظَّفْرُ لَلمُؤْمنينن فعلى هذا يَجِيءُ قَوْلُه :" كأن لم يكن " التفاتة بليغَة، واعْتِراضاً بين القَوْل والمَقُول بِلَفْظٍ يُظْهِر زيادَةً في قُبْحِ فِعْلِهِم.
وقال الرازي : هو اعْتِراضٌ في غايَةِ الحُسْنِ ؛ لأن من أحَبِّ إنْسَاناً فَرح لِفَرَحِه، وحَزِنَ لحُزْنِهِ، فإذا قَلَبَ القَضِيَّة فذلك إظْهَارٌ للعَدَاوَة، فحكى - تعالى - سُرُور المُنَافِقِ عند نَكْبَةِ المُسْلِمِين، ثم أرَادَ أن يَحْكِي حُزْنه عِنْدَ دَوْلَةِ المسْلِمِينِ بسبب فَواتِهِ الغَنِيمَة فقَبْل أن يَذْكُرَ الكَلاَم بتَمَامِهِ، ألْقَى قوله :﴿ كَأَن لَّمْ تَكُنْ ﴾ والمراد التَّعَجُّب ؛ كأنه يَقُول : انْظُرُوا إلى ما يَقُولَه هذا المُنَافِقُ كأن لَمْ تكن بَيْنَكُم وبَيْنَهُ مودَّة ولا مُخَالَطَة أصْلاً، والذي حَسَّن الاعتراض بهذه الجُمْلَة وإنْ كان محلها التَّأخِير، كوْنَ ما بَعْدَهَا فَاصِلَة وهيَ لَيْسَت بِفَاصِلَة.
وقال الفَارِسِي : وهذه الجمْلَة من قَوْل المُنَافِقِين الَّذِين أقْعَدُوهُم عن الجِهَادِ ؛ وخَرَجُوا هُمْ لم تكُنْ بَيْنَكُم وبَيْنَه أي : وبَيْن الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - مودَّة، فيخرجكم مَعَهُ لتأخذوا من الغنيمة ليُبَغّضُوا بذلك الرَّسُولَ إليْهم، فأعاد الضَّمِيرَ في " بَيْنَهُ " على النَّبي - عليه الصلاة والسلام -.


الصفحة التالية
Icon