قال علماؤنا : ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشك في أن كل شيء بقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته ؛ كما قال تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ] وقال تعالى :﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ [ الرعد : ١١ ].
مسألة وقد تجاذب بعض جهال أهلِ السنة هذه الآية واحتجّ بها ؛ كما تجاذبها القَدرية واحتجوا بها، ووجه احتجاجهم بها أن القَدرية يقولون : إن الحسنة هاهنا الطاعة، والسيئة المعصية ؛ قالوا : وقد نسب المعصية في قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ إلى الإنسان دون الله تعالى ؛ فهذا وجه تعلقهم بها.
ووجه تعلّق الآخرين منها قوله تعالى :﴿ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله ﴾ قالوا : فقد أضاف الحسنة والسيئة إلى نفسه دون خلقه.
وهذه الآية إنما يتعلق بها الجهال من الفريقين جميعاً ؛ لأنهم بنوا ذلك على أن السيئة هي المعصية، وليست كذلك لما بيناه. والله أعلم.
والقدرية إن قالوا ﴿ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ﴾ أي من طاعة ﴿ فَمِنَ الله ﴾ فليس هذا اعتقادَهم ؛ لأن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذهبهم أن الحسنة فعل المحسن والسيئة فعل المسيء.
وأيضاً فلو كان لهم فيها حجة لكان يقول : ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة ؛ لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعاً، فلا يضاف إليه إلا بفعله لهما لا بفعل غيره.
نصّ على هذه المقالة الإمام أبو الحسن شبيبُ بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة في كتابه المسمى بحز الغَلاصم في إفحام المخاصم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٢٨٥ ـ ٢٨٧﴾.


الصفحة التالية
Icon