إذن فالأصل في التبييت إنما يكون في البيت. والأصل أن تكون البيتوتة ليلا، ومدار المادة كلها الاستخفاء، فإذا بُيت في ظلام نقول : إنه بُيت بليل، وإذا بُيِّتَ سراً نقول : بُيِّتَ بليل أيضاً.
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ﴾ يعني قالت طائفة : أمرنا وشأننا طاعة لما تقول : أو أطعناك طاعة ولكنهم يبيتون غير ما تقول فهم إذن على معصية. ﴿ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾ وسبحانه يكتب نتيجة علمه، وجاء بكلمة " يكتب " حتى يعلموا أن أفعالهم مسجلة عليهم بحيث يستطيعون عند عرض كتابهم عليهم أن يقرأوا ما كتب فيه، فلو لم يكن مكتوباً فقد يقولون : لا لم يحدث، وكان رسول الله ﷺ يحذر من هذه الطائفة، لأنها ستثبط أمر الدعوة، لذلك يوضح الحق : إنك لن تُنصَرَ بمن أرسلت إليهم وإنما تنصر بمن أرسلك، فإياك أن ينال ذلك من عزيمتك أو يثبطها نحو الدعوة. فإذا حدث من طائفة منهم هذا فـ " أعرض عنهم " أي لا تخاطبهم في أمر من هذه الأمور ودعهم ودع الانتقام لي ؛ لأنني سأنصرك على الرغم من مخالفتهم لك، واتجه إلى أمر الله الذي أرسلك.
ونعلم أن المصلحة في كل الرسالات إنما تكون عند من أرسل، ولكن المرسل إليه قد تتعبه الدعوة الجديدة ؛ لأنها ستخرجه عن هوى نفسه، ومستلزمات طيشه، فالذي أرسلك يا محمد هو الضامن لك في أن تنجح دعوتك.