فيكونان تارة مانعين، وتارة غير مانعين، فلم يفيدا إذن مع أن أيضاً يلزم عليه أن يكون الضال أقل من المهتدي ؛ فإذا حمل الكلام على أن المراد بالفضل الإرسال وضح المعنى ويكون التقدير : ولولا إرسال الرسول لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً منكم، فإنهم لا يتبعونه من غير إرشاد الرسول، بل بهداية من الله سبحانه وتعالى وفضل بلا واسطة كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ؛ والدليل على هذا المقدر أن السياق لرد الأشياء كلها إلى الرسول ﷺ، والمنع من الاستقلال بشيء دونه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٨٧ ـ ٢٨٨﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى حكى عن المنافقين في هذه الآية نوعا آخر من الأعمال الفاسدة، وهو أنه إذا جاءهم الخبر بأمر من الأمور سواء كان ذلك الأمر من باب الأمن أو من باب الخوف أذاعوه وأفشوه، وكان ذلك سبب الضرر من وجوه : الأول : أن مثل هذه الارجافات لا تنفك عن الكذب الكثير.
والثاني : أنه إن كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا فيه زيادات كثيرة، فإذا لم توجد تلك الزيادات أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول عليه السلام، لأن المنافقين كانوا يروون تلك الارجافات عن الرسول، وإن كان ذلك في جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه.
الوجه الثالث : وهو أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام، وذلك سبب لظهور الأسرار، وذلك مما لا يوافق مصلحة المدينة.