وقولُه تعالى :﴿ عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ ﴾ عِدَةٌ منه سبحانه وتعالى محقَّقةُ الإنجازِ بكف شدةِ الكفَرَة ومكروهِهِم، فإن ما صدر بلعل وعسى مقرَّرُ الوقوعِ من جهته عز وجل وقد كان كذلك، حيث روي أن رسولَ الله ﷺ واعد أبا سفيانَ بعد حربِ أُحدٍ موسِمَ بدرٍ الصغرى في ذي القَعدةِ فلما بلغ الميعادَ دعا الناسَ إلى الخروج فكرِهه بعضُهم فنزلت فخرج رسولُ الله ﷺ في سبعين راكباً ووافَوا الموعِدَ وألقى الله تعالى في قلوب الذين كفروا الرعبَ فرجعوا من مرِّ الظّهرانِ، وروي أن رسولَ الله ﷺ وافى بجيشه بدراً وأقام بها ثمانيَ ليالٍ وكانت معهم تجاراتٌ فباعوها وأصابوا خيراً كثيراً وقد مر في سورة آل عمران ﴿ والله أَشَدُّ بَأْساً ﴾ أي من قريش ﴿ وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ﴾ أي تعذيباً وعقوبةً تُنكّل مَنْ يشاهدُها عن مباشرة ما يؤدي إليها، والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لما قبلها، وإظهارُ الاسمِ الجليلِ لتربية المهابةِ وتعليلِ الحُكمِ وتقويةِ استقلالِ الجُملة، وتكريرُ الخبرِ لتأكيد التشديدِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ٢٠٩ ـ ٢١٠﴾
ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً... الآية﴾
استئناف فيه معنى التذييل والتعليل لقوله :﴿ لا تُكَلَّفُ إلاّ نَفْسَك وحرّض المؤمنين ﴾ [ النساء : ٨٤ ] وهو بشارة للرسول عليه الصلاة والسلام بأن جهاد المجاهدين بدعْوته يناله منه نصيب عظيم من الأجر، فإنّ تحريضه إيّاهم وساطة بهم في خيرات عظيمة، فجاءت هذه الآية بهذا الحكم العامّ على عادة القرآن في انتهاز فرص الإرشاد.


الصفحة التالية
Icon