ولما كان التقدير : فلو كان من عند غير الله لم يخبر بأسرارهم، عطف عليه قوله :﴿ولو كان من عند غير الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة - كما زعم الكفار ﴿لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾ أي في المعنى بالتناقض والتخلف عن الصدق في الإخبار بالمغيبات أو بعضها، وفي النظم بالتفاوت في الإعجاز ؛ فإذا علموا أنه من عند الله بهذا الدليل القطعي حفظوا سرائرهم كما يحفظون علانياتهم، لأن الأمر بالطاعة مستوٍ عند السر والعلن ؛ والتقيد بالكثير يفيد أن المخلوق عاجز عن التحرز من النقص العظيم بنفسه، وإفهامه - عند استثناء نقيض التالي - وجود الاختلاف اليسير فيه تدفعه الصرائح. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٨٦ ـ ٢٨٧﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حكى عن المنافقين أنواع مكرهم وكيدهم، وكان كل ذلك لأجل أنهم ما كانوا يعتقدون كونه محقا في ادعاء الرسالة صادقا فيه، بل كانوا يعتقدون أنه مفتر متخرص، فلا جرم أمرهم الله تعالى بأن ينظروا ويتفكروا في الدلائل الدالة على صحة نبوته.
فقال :﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾ فاحتج تعالى بالقرآن على صحة نبوته. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٥٦﴾
قال ابن عطية :
المعنى : هؤلاء المنافقون الطاعنون عليك الرافعون بغير برهان في صدر نبوتك، ألا يرجعون إلى النصفة، وينظرون موضع الحجة ويتدبرون كلام الله تعالى ؟ فتظهر لهم براهينه، وتلوح أدلته، " والتدبر " : النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء، هذا كله يقتضيه قوله :﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ وهذا أمر بالنظر والاستدلال. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٨٣﴾


الصفحة التالية
Icon