والتعريف في ﴿ المنافقين ﴾ للعهد، و﴿ فئتين ﴾ حال من الضمير المجرور باللام فهي قيد لعامله، الذي هو التوبيخ، فعلم أنّ محلّ التوبيخ هو الانقسام :﴿ في المنافقين ﴾ متعلّق بفئتين لتأويله بمعنى "منقسمين"، ومعناه : في شأن المنافقين، لأنّ الحكم لا يتعلّق بذوات المنافقين.
والفئة : الطائفة.
وزنها فِلَة، مشتقّة من الفيء وهو الرجوع، لأنّهم يَرجع بعضهم إلى بعض في شؤونهم.
وأصلها فَيّءٌ، فحذفوا الياء من وسطه لكثرة الاستعمال وعوّضوا عنها الهاء.
وقد علم أنّ الانقسام إلى فئتين ما هو إلاّ انقسام في حالة من حالتين، والمقام للكلام في الإيمان والكفر، أي فما لكم بين مكفّر لهم ومبرّر، وفي إجراء أحكام الإيمان أو الكفر عليهم.
قيل : نزلت هذه الآية في المنخزلين يوم أُحد : عبد الله بن أبَيّ وأتباعه، اختلف المسلمون في وصفهم بالإيمان أو الكفر بسبب فعلتهم تلك.
وفي "صحيح البخاري" عن زيد بن ثابت قال : رجع ناس من أصحاب النبي من أُحد، وكان الناس فيهم فريقين، فريق يقول : اقُتُلْهم، وفريق يقول : لا، فنزلت "فما لكم في المنافقين فئتين"، وقال :"إنّها طَيْبَة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضّة" أي ولَمْ يقتلهم النبي ﷺ جرياً على ظاهر حالهم من إظهار الإسلام.
فتكون الآية لبيان أنّه ما كان ينبغي التردّد في أمرهم.
وعن مجاهد : أنها نزلت في قوم من أهل مكة أظهروا الإيمان، وهاجروا إلى المدينة، ثمّ استأذنوا في الرجوع إلى مكة، ليأتوا ببضاعة يتّجرون فيها، وزعموا أنّهم لم يزالوا مؤمنين، فاختلف المسلمون في شأنهم : أهم مشركون أم مسلمون.