قوله تعالى ﴿فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السلم وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾
قال الفخر :
والمعنى : فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يطلبوا الصلح منكم ولم يكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم.
قال الأكثرون : وهذا يدل على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم، ونظيره قوله تعالى :﴿لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم فِى الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ [ الممتحنة : ٨ ] وقوله :﴿وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله الذين يقاتلونكم﴾ [ البقرة : ١٩٠ ] فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا.
واعلم أن هذا الكلام مبني على أن المعلق بكلمة "إن" على الشرط عدم عند عدم الشرط، وقد شرحنا الحال فيه في قوله تعالى :﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ﴾ [ النساء : ٣١ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٧٩ ـ ١٨٠﴾
لطيفة
قال أبو حيان :
وتأمل فصاحة الكلام في أنْ ساقه في الصيغة المتقدّمة قبل هذه سياق إيجاب الاعتزال، وإيجاب إلقاء السلم، ونفى المقاتلة، إذ كانوا محقين في ذلك معتقدين له.
وسياقه في هذه الصيغة المتأخرة سياق نفى الاعتزال، ونفى إلقاء السلم، إذ كانوا مبطلين فيه مخادعين، والحكم سواء على السياقين.
لأن الذين لم يجعل عليهم سبيلاً لو لم يعتزلوا، لكان حكمهم، حكم هؤلاء الذين جعل عليهم السلطان المبين.
وكذلك هؤلاء الذين عليهم السلطان إذا لم يعتزلوا، لو اعتزلوا كان حكمهم حكم الذين لا سبيل عليهم، ولكنهم بهذه العبارة تحت القتل إن لم يعتزلوا انتهى كلامه.
وهو حسن.