فصل
قال ابن عطية :
﴿سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ﴾
لما وصف الله تعالى فيما تقدم صفة المحقين في المتاركة، المجدين في إلقاء السلم، نبه على طائفة مخادعة مبطلة مبطنة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم، يقولون لهم : نحن معكم وعلى دينكم، ويقولون أيضاً للمسلمين إذا وفدوا وأرسلوا : نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة، قيل : كانت أسد وغطفان بهذه الصفة، وقيل : نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي، كان ينقل بين النبي عليه السلام والكفار الأخبار، وقيل : نزلت في قوم يجيئون من مكة إلى النبي عليه السلام رياء يظهرون الإسلام ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون، ففضح الله تعالى هؤلاء، وأعلم أنها على غير صفة من تقدم، وقوله :﴿ إلى الفتنة ﴾ معناه إلى الإختبار، حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم : قل : ربي الخنفساء، وربي العود، وربي العقرب، ونحوه، فيقولها، ومعنى ﴿ أركسوا ﴾ رجعوا رجع ضلالة أي أهلكوا في الاختيار بما واقعوه من الكفر، وقرأ عبد الله بن مسعود " رُكسوا " بضم الراء من غير ألف، وحكاه عنه أبو الفتح بشد الكاف على التضعيف، والخلاف في ﴿ السلم ﴾ حسبما تقدم، وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم إلى حال الآخرين المعتزلين الملقين للسلم.