الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ تُشْعِرُ بِارْتِبَاطِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْفَاءَ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَرِعُ الْجَاهِلُ تَعْلِيلَاتٍ وَمَعَانِيَ لِمَا لَا يَفْهَمُهُ، وَقَدْ يَخْتَرِعُ الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَالْآيَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا أَشَدَّ الِارْتِبَاطِ إِذِ الْكَلَامُ السَّابِقُ كَانَ فِي أَحْكَامِ الْقِتَالِ حَتَّى مَا وَرَدَ فِي الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَقَدْ خَتَمَهُ بِقَوْلِهِ : اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَخْ، أَيْ : لَا إِلَهَ غَيْرَهُ يُخْشَى وَيُخَافُ أَوْ يُرْجَى فَتُتْرَكُ تِلْكَ الْأَحْكَامُ لِأَجْلِهِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مَوْصُولَةً بِمَا قَبْلَهَا بِالْفَاءِ وَهِيَ تُفِيدُ تَفْرِيعَ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ فِيهَا عَلَى مَا قَبْلُهُ، أَيْ : إِذَا كَانَ اللهُ - تَعَالَى - قَدْ أَمَرَكُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِهِ وَتَوَعَّدَ الْمُبْطِئِينَ عَنْهُ وَالَّذِينَ تَمَنَّوْا تَأْخِيرَ كِتَابَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ فَيُتْرَكُ أَمْرُهُ وَطَاعَتُهُ لِأَجْلِهِ فَمَا لَكُمْ تَتَرَدَّدُونَ فِي أَمْرِ الْمُنَافِقِينَ وَتَنْقَسِمُونَ فِيهِمْ إِلَى فِئَتَيْنِ ؟


الصفحة التالية
Icon