قال المؤلف : وقول المبرد يخرج على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم، أي هم أقل وأحقر، ويستغنى عنهم، كما تقول إذا أردت هذا المعنى : لا جعل الله فلاناً عليَّ ولا معي أيضاً، بمعنى استغنى عنه واستقل دونه، واللام في قوله :﴿ لسلطهم ﴾ جواب ﴿ لو ﴾، وفي قوله :﴿ فلقاتلوكم ﴾ لام المحاذاة والازدواج، لأنها بمثابة الأولى، لو لم شاء الله لقواهم وجرأهم عليكم، فإذا قد أنعم الله عليكم بالهدنة فاقبلوها وأطيعوا فيها، وقرأت طائفة " فلقتلوكم " وقرأ الجحدري والحسن " فلقتّلوكم " بتشديد التاء، والمعنى فإن اعتزلوكم أي هادنوكم وتاركوكم في القتل، و﴿ السلم ﴾ هنا الصلح، قاله الربيع، ومنه قول الطرماح بن حكيم :
وذاك أن تميماً غادرت سلماً... لللأسد كل حصان رعثة الكبد
وقال الربيع :﴿ السلم ﴾ هاهنا الصلح، وكذا قرأته عامة القراء، وقرأ الجحدري " السلّم " بسكون اللام، وقرأ الحسن " السّلِمْ " بكسر السين وسكون اللام، فمعنى جملة هذه الآية، خذوا المنافقين الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم، إلا من دخل منهم في عداد من ﴿ بينكم وبينه ميثاق ﴾ والتزم مهادنتكم أو من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه، وهذا بفضل الله عليكم ودفاعه عنكم، لأنه لو شاء ﴿ لسلط ﴾ هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المتاركة عليكم ﴿ فلقاتلوكم ﴾، فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم، فلا سبيل لكم عليهم، وهذا والذي في سورة الممتحنة من قوله تعالى ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم إن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين ﴾ [ الممتحنة : ٨ ] منسوخ بما في سورة براءة، قاله قتادة وابن زيد وغيرهما. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٩٠ ـ ٩١﴾


الصفحة التالية
Icon