وقيل : هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل جاءوا أي جاءُكم قوماً حصرت صدورهم ولا حاجة حينئذ إلى تقدير قد، وما قيل : إن المقصود بالحالية هو الوصف لأنها حال موطئة فلا بد من قد سيما عند حذف الموصوف فما ذكر التزام لزيادة الإضمار من غير ضرورة غير مسلم، وقيل : بيان لجاءوكم وذلك كما قال الطيبي لأن مجيئهم غير مقاتلين و﴿ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ﴾ أن يقاتلوكم بمعنى واحد، وقال العلامة الثاني : من جهة أن المراد بالمجيء الاتصال وترك المعاندة والمقاتلة لا حقيقة المجيء، أو من جهة أنه بيان لكيفية المجيء، وقيل : بدل اشتمال من ﴿ جَاءوكُمْ ﴾ لأن المجيء مشتمل على الحصر وغيره، وقيل : إنها جملة دعائية، ورد بأنه لا معنى للدعاء على الكفار بأن لا يقاتلوا قومهم، بل بأن يقع بينهم اختلاف وقتل، والحصر بفتحتين الضيق والانقباض
﴿ أن يقاتلوكم أَوْ يقاتلوا قَوْمَهُمْ ﴾ أي عن أن يقاتلوكم، أو لأن، أو كراهة أن ﴿ وَلَوْ شَاء الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم ﴿ فلقاتلوكم ﴾ عقيب ذلك ولم يكفوا عنكم، واللام جوابية لعطفه على الجواب، ولا حاجة لتقدير لو، وسماها مكي وأبو البقاء لام المجازاة والازدواج، وهي تسمية غريبة، وفي الإعادة إشارة إلى أنه جواب مستقل والمقصود من ذلك الامتنان على المؤمنين، وقرىء ( فلقتلوكم ).
بالتخفيف والتشديد ﴿ فَإِنِ اعتزلوكم ﴾ ولم يتعرضوا لكم ﴿ فَلَمْ يقاتلوكم ﴾ مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله تعالى ﴿ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم ﴾ أي الصلح فانقادوا واستسلموا، وكان إلقاء السلم استعارة لأن من سلم شيئاً ألقاه وطرحه عند المسلم له، وقرىء بسكون اللام مع فتح السين وكسرها ﴿ فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ﴾ فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم، وفي نفي جعل السبيل مبالغة في عدم التعرض لهم لأن من لا يمر بشيء كيف يتعرض له.
وهذه الآيات منسوخة الحكم بآية براءة ﴿ فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] وقد روي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ١٠٩ ـ ١١٠﴾