ولما كان الخطأ مرفوعاً عن هذه الأمة، فكان لذلك يظن أنه لا شيء على المخطىء ؛ بين أن الأمر في القتل ليس كذلك حفظاً للنفوس، لأن الأمر فيها خطر جداً، فقال - مغلظاً عليه حثاً على زيادة النظر والتحري عند فعل ما قد يقتل - :﴿فتحرير﴾ أي فالواجب عليه تحرير ﴿رقبة﴾ أي نفس، عبر بها عنها لأنها لا تعيش بدونها كاملة الرق ﴿مؤمنة﴾ ولو ببيع الدار أو البساتين، سليمة عما يخل بالعمل، وقدم التحرير هنا حثاً على رتق ما خرق من حجاب العبد، وإيجاب ذلك في الخطأ إيجاب له في العمد بطريق الأولى، وكأنه لم يذكره في العمد لأنه تخفيف في الجملة والسياق للتغليظ ﴿ودية مسلّمة﴾ أي مؤداة بيسر وسهولة ﴿إلى أهله﴾ أي ورثته يقتسمونها كما يقسم الميراث ﴿إلا أن يصدّقوا﴾ أي يجب ذلك عليه في كل حال إلا في حال تصدقهم بالعفو عن القاتل بإبرائه من الدية، فلا شيء عليه حينئذ، وعبر بالصدقة ترغيباً ﴿فإن كان﴾ أي المقتول ﴿من قوم﴾ أي فيهم منعة ﴿عدو لكم﴾ أي محاربين ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿مؤمن فتحرير﴾ أي فالواجب على القاتل تحرير ﴿رقبة مؤمنة﴾ وكأنه عبر بذلك إشارة إلى التحري في جودة إسلامها، وقد أسقط هذا حرمة نفسه بغير الكفارة بسكناه في دار الحرب التي هي دار الإباحة أو وقوعه في صفهم، ولعده في عدادهم قال :﴿من﴾ ومعناه - كما قال الشافعي وغيره تبعاً لابن عباس رضي الله تعالى عنهما - : في ﴿وإن كان﴾ أي المقتول ﴿من قوم﴾ أي كفرة أيضاً عدو لكم ﴿بينكم وبينهم ميثاق﴾ وهو كافر مثلهم ﴿فدية﴾ أي فالواجب فيه كالواجب في المؤمن المذكور قبله دية ﴿مسلّمة إلى أهله﴾ على حسب دينه، إن كان كتابياً فثلث دية المسلم، وإن كان مجوسياً فثلثا عشرها ﴿وتحرير رقبة مؤمنة﴾ وكأنه قدم الدية هنا إشارة إلى المبادرة بها حفظاً للعهد، ولتأكيد أمر التحرير بكونه ختاماً كما كان افتتاحاً حثاً على الوفاء به، لأنه أمانة لا طالب له إلا الله ؛ وقال الأصبهاني : إن سر ذلك أن


الصفحة التالية
Icon