واختلف العلماء في قبول توبة القاتل، فجماعة على أن لا تقبل توبته، وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر، وكان ابن عباس يقول : الشرك والقتل مبهمان، من مات عليهما خلد، وكان يقول : هذه الآية مدنية نسخت الآية التي في الفرقان، إذ الفرقان مكية والجمهور على قبول توبته، وروي عن بعض العلماء أنهم كانوا يقصدون الإغلاظ والتخويف أحياناً، فيطلقون : لا تقبل توبة القاتل، منهم ابن شهاب كان إذا سأله من يفهم منه أنه قد قتل قال له : توبتك مقبولة، وإذا سأله من لم يفعل، قال له : لا توبة للقاتل، ومنهم ابن عباس وقع عنه في تفسير عبد بن حميد أن رجلاً سأله أللقاتل توبة ؟ فقال له : لا توبة للقاتل وجزاؤه جهنم، فلما مضى السائل قال له أصحابه : ما هكذا كنا نعرفك تقول إلا أن للقاتل التوبة، فقال لهم : إني رأيته مغضباً وأظنه يريد أن يقتل، فقاموا فطلبوه وسألوا عنه، فإذا هو كذلك. وذكر هبة الله في كتاب الناسخ والمنسوخ له : أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ [ النساء : ٤٨ - ١١٦ ] وقال : هذا إجماع الناس إلا ابن عباس وابن عمر، فإنهما قالا : هي محكمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفيما قاله هبة الله نظر، لأنه موضع عموم وتخصيص، لا موضع نسخ، وإنما ركب كلامه على اختلاف الناس في قبول توبة القاتل، والله أعلم. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٩٤ ـ ٩٦﴾
فصل
قال الفخر :
استدلت الوعيدية بهذه الآية على أمرين :
أحدهما : على القطع بوعيد الفساق.
والثاني : على خلودهم في النار،
ووجه الاستدلال أن كلمة "من" في معرض الشرط تفيد الاستغراق، وقد استقصينا في تقرير كلامهم في سورة البقرة في تفسير قوله :﴿بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ [ البقرة : ٨١ ] وبالغنا في الجواب عنها،
وزعم الواحدي أن الأصحاب سلكوا في الجواب عن هذه الآية طرقا كثيرة.