الثاني : أنه تعالى قال بعد هذه الآية :﴿يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً ﴾ [ النساء : ٩٤ ] وأجمع المفسرون على أن هذه الآيات إنما نزلت في حق جماعة من المسلمين لقوا قوما فأسلموا فقتلوهم وزعموا أنهم إنما أسلموا من الخوف، وعلى هذا التقدير : فهذه الآية وردت في نهي المؤمنين عن قتل الذين يظهرون الايمان ؛ وهذا أيضا يقتضي أن يكون قوله :﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً﴾ نازلا في نهي المؤمنين عن قتل المؤمنين حتى يحصل التناسب، فثبت بما ذكرنا أن ما قبل هذه الآية وما بعدها يمنع من كونها مخصوصة بالكفار.
الثالث : أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب له يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وبهذا الطريق عرفنا أن قوله :﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [ المائدة : ٣٨ ] وقوله :﴿الزانية والزانى فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا﴾ [ النور : ٢ ] الموجب للقطع هو السرقة، والموجب للجلد هو الزنا، فكذا ههنا وجب أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو هذا القتل العمد، لأن هذا الوصف مناسب لذلك الحكم، فلزم كون ذلك الحكم معللا به، وإذا كان الأمر كذلك لزم أن يقال : أينما ثبت هذا المعنى فإنه يحصل هذا الحكم، وبهذا الوجه لا يبقى لقوله : الآية مخصوصة بالكافر وجه.


الصفحة التالية
Icon