والأفعال كلّها لا تخرج عن حالتي عمد وخطأ، ويعرف التعمّد بأن يكون فعلاً لا يفعله أحد بأحد إلاّ وهو قاصد إزهاق روحه بخصوصه بما تُزهق به الأرواح في متعارف الناس، وذلك لا يخفى على أحد من العقلاء.
ومن أجل ذلك قال الجمهور من الفقهاء : القتل نوعان عمد وخطأ، وهو الجاري على وفق الآية، ومن الفقهاء من جعل نوعاً ثالثاً سمّاه شبه العمد، واستندوا في ذلك إلى آثار مروية، إن صحّت فتأويلها متعيّن وتحمل على خصوص ما وردت فيه.
وذكر ابن جرير والواحدي أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ مِقْيَساً بنَ صُبَابة وأخاه هشام جاءا مسلمَين مهاجرين فوُجِد هشامٌ قتيلاً في بني النجّار، ولم يُعرف قاتله، فأمرهم النبي ﷺ بإعطاء أخيه مِقْيَسٌ مائةٌ من الأبل، دية أخيه، وأرسل إليهم بذلك مع رجل من فهِر فلمّا أخَذ مقيس الإبلَ عدَا على الفهري فقتله، واستاق الإبل، وانصرف إلى مكة كافراً، وأنشد في شأن أخيه :
قتلتُ به فهِراً وحَمَّلْتُ عقلَه...
سُراة بني النجّار أرْبابَ فَارِع
حلَلْتُ به وِتْري وأدركتُ ثأرتي...
وكنتُ إلى الأوثاننِ أوّلَ راجع
وقد أهدر رسول الله ﷺ دمه يوم فتح مكة، فقتِل بسوق مكة.
وقوله :﴿ خالداً فيها ﴾ مَحْمَلهُ عند جمهور علماء السنّة على طول المُكث في النار لأجل قتل المؤمن عمداً، لأنّ قتل النفس ليس كفراً بالله ورسوله، ولا خلودَ في النار إلاّ للكفر، على قول علمائنا من أهل السنّة، فتعيّن تأويل الخلود بالمبالغة في طول المكث، وهو استعمال عربي.
قال النابغة في مرض النعمان بن المنذر :
ونحن لديه نسأل الله خُلْدَه...
يَرُدّ مَلْكاً وللأرضضِ عامِرا
ومحمله عند من يُكفّر بالكبائر من الخوارج، وعند من يوجب الخلود على أهل الكبائر، على وتيرة إيجاب الخلود بارتكاب الكبيرة.


الصفحة التالية
Icon