روى البخاريّ عن محمد بن عبد الرحمن قال : قُطِع على أهل المدينة بَعْث فاكْتُتِبْتُ فيه فلَقِيت عِكرمةَ مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشدّ النهي، ثم قال : أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يُكَثِّرون سواد المشركين على عهد رسول الله ﷺ يأتي السهم فيُرْمَى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يُضرب فيُقتل ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ ﴾.
قوله تعالى :﴿ تَوَفَّاهُمُ الملائكة ﴾ يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً لم يستند بعلامة تأنيث، إذ تأنيث لفظ الملائكة غير حقيقي، ويحتمل أن يكون فعلاً مستقبلاً على معنى تتوفاهم ؛ فحذفت إحدى التاءين.
وحكى ابن فُورَك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار.
وقيل : تقبض أرواحهم ؛ وهو أظهر.
وقيل : المُراد بالملائكة ملك الموت ؛ لقوله تعالى :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [ السجدة : ١١ ].
و﴿ ظالمي أَنْفُسِهِمْ ﴾ نصب على الحال ؛ أي في حال ظلمهم أنفسهم، والمراد ظالمين أنفسهم فحذف النون استخفافاً وأضاف ؛ كما قال تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ].
وقول الملائكة :﴿ فِيمَ كُنتُمْ ﴾ سؤال تقريع وتوبيخ، أي أكنتم في أصحاب النبي ﷺ أم كنتم مشركين! وقول هؤلاء :﴿ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض ﴾ يعني مكة، اعتذار غير صحيح ؛ إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل، ثم وقفتهم الملائكة على دينهم بقولهم ﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً ﴾.
ويفيد هذا السؤال والجواب أنهم ماتوا مسلمين ظالمين لأنفسهم في تركهم الهجرة، وإلاَّ فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا، وإنما أضرب عن ذكرهم في الصحابة لشدّة ما واقعوه، ولعدم تعيّن أحدهم بالإيمان، واحتمال ردّته. والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣٤٥ ـ ٣٤٦﴾.