فلم يَحْذِفِ اليَاء، وهذا البَيْت أنشده النَّحويُّون على أنَّ عَلاَمَةَ الجَزْم، حَذْفُ الحَرَكَةِ المُقَدَّرة في حَرْفِ العِلَّة، وضَمُّوا إليه أبياتاً أخَرَ، أمَّا أنَّهم يَزْعُمُون : أنَّ حَرْف الجَزْم يُهْمَل، ويَسْتدلون بهذا البَيْت فَلا.
ومنهم مَنْ خَرَّجَهَا على وَجْه أخَر ؛ وهو أنه أراد الوَقْفَ على الكلمة، فنقلَ حَركَة هاءِ الضَّمِير إلى الكَافِ السَّاكِنَة للجَزْمِ، كقولِ الآخَر :[ الرجز ]
عَجِبْتُ والدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُه...
مِنْ عَنَزِيٍّ سَبَّنِي لَمْ أضْرِبُهْ
يريد :" لم أضْرِبْه " بسكون البَاء للجَازِم، ثم نَقَل إليها حَرَكَة الهاءِ، فصار اللَّفْظُ " ثم يُدْرِكُهْ " ثم أجْرََى الوصْلَ مُجْرى الوَقْفِ، التقى ساكنان، فاحْتاجَ إلى تَحرِيك الأوَّلِ وهو الهَاءُ، فَحَرَّكها بالضَّمِّ ؛ لأنه الأصلُ، وللإتباع أيضاً.
ثمَّ قالَ الله - تعالى - :﴿ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ أي : ويَغْفِرُ [ الله ] ما كَانَ مِنْهُ [ مِنِ القُعود ] إلَى أنْ خَرَجَ. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٦ صـ ٥٩٨ ـ ٥٩٩﴾.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾
مَنْ هَاجَرَ في الله عما سوى الله، وصحح قَصَده إلى الله وَجَدَ فسحة في عقوة الكَرَم، ومقيلاً في ذرى القبول، وحياة وَسَعةً في كنف القرب.
والمهاجر - في الحقيقة - من هجر نَفْسَه وهواه، ولا يصحُّ ذلك إلا بانسلاخه عن جميع مراداته، ومَنْ قَصَدَه ثم أدركه الأجلُ قبل وصوله فلا ينزل إلا بساحات وصله، ولا يكون محطُّ روحه إلا أوطان قربه. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٣٥٧﴾


الصفحة التالية
Icon