إِنّ التاريخ يقول : إنّ المسلمين بدأوا يفكرون بتعيين بداية تاريخهم الذي له أهمية عامّة وشاملة في زمن الخليفة الثاني الذي توسعت في عهده رقعة البلاد الإِسلامية ـ وأنّ المسلمين بعد البحث الكثير في هذا الأمر، اختاروا رأي علي بن أبي طالب(عليه السلام) باتّخاذ حادثة الهجرة النبوية الشريفة مبدأ وبداية للتاريخ الإِسلامي.
والحقيقة أنّ هذا الاختيار كان هو المتعيّن، لأنّ الهجرة كانت أهم والمع حدث أو برنامج حصل للإِسلام، وكانت الهجرة مبدأ فصل جديد مهم في التاريخ الإِسلامي، فالمسلمون حين وجودهم في مكّة كانوا يمارسون تعلم شؤونهم الحياتية وفق دينهم الجديد (الإسلام) ولم تكن لديهم في هذه الحالة ـ على ما يبدو ـ أي قدرة سياسية وإجتماعية، ولكنهم بعد الهجرة شكلوا مباشرة الدولة الإسلامية التي تقدمت بسرعة فائقة ـ في كل المجالات ـ ولو أنّ المسلمين لم يذعنوا لأمر الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)في اختيار الهجرة وفضلوا البقاء في مكّة، لما تيسر عند ذلك للإِسلام أن يمتد خارج حدود مكّة، بل حتى كان من الممكن أن يقبر الإِسلام في مكّة ويمحى أثره.
ويتّضح لنا أنّ الهجرة لم تكن حكماً خاصاً بزمن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل أنّها تجب على المسلمين متى ما تعرضوا لظروف مشابهة لتلك الظروف التي اضطرت النّبي وأصحابه(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى ترك مكّة والهجرة إِلى المدينة.
والقرآن يعتبر الهجرة في الأساس جوهراً لوجود الحرية والرفاه، وقد أشارت الآية ـ موضوع البحث ـ إِلى هذا الأمر، كما أن الآية (٤١) من سورة النحل تشير من جانب آخر إِلى هذه الحقيقة، إِذ تقول :(والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدّنيا حسنة).


الصفحة التالية
Icon