﴿ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [ النساء : ٩٧ ] لما أن نار البعد والحجاب بها موقدة ﴿ إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال ﴾ وهم كما قال بعض العارفين : أقوياء الاستعداد الذين قويت قواهم الشهوية والغضبية مع قوة استعدادهم فلم يقدروا على قمعها في سلوك طريق الحق ولم يذعنوا لقواهم الوهبية والخيالية فيبطل استعدادهم بالعقائد الفاسدة فبقوا في أسر قواهم البدنية مع تنور استعدادهم بنور العلم وعجزهم عن السلوك برفع القيود ﴿ والنساء ﴾ أي القاصرين الاستعداد عن درك الكمال العلمي وسلوك طريق التحقيق الضعفاء القوى، قيل : وهم البله المذكورون في خبر «أكثر أهل الجنة البله» ﴿ والولدان ﴾ أي القاصرين عن بلوغ درجة الكمال لفترة تلحقهم من قبل صفات النفس ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ﴾ لعدم قدرتهم وعجزهم عن كسر النفس وقمع الهوى ﴿ وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ [ النساء : ٩٨ ] لعدم علمهم بكيفية السلوك ﴿ فَأُوْلَئِكَ عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ﴾ بمحو تلك الهيئات المظلمة لعدم رسوخها وسلامة عقائدهم ﴿ وَكَانَ الله عَفُوّاً ﴾ عن الذنوب ما لم تتغير الفطرة ﴿ غَفُوراً ﴾ [ النساء : ٩٩ ] يستر بنور صفاته صفات النفوس القابلة لذلك ﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ عن مقار النفس المألوفة ﴿ يَجِدْ فِى الأرض ﴾ أي أرض استعداده ﴿ مُرَاغَماً كَثِيراً ﴾ أي منازلاً كثيرة يرغم فيها أنوف قوى نفسه ﴿ واسعة ﴾ أي انشراحاً في الصدر لسبب الخلاص من مضايق صفات النفس وأسر الهوى ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ ﴾ أي مقامه الذي هو فيه مهاجراً إلى الله بالتوجه إلى توحيد الذات ﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ بالتوجه إلى طلب الاستقامة في توحيد الصفات ﴿ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت ﴾ أي الانقطاع ﴿ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله ﴾ حسبما توجه إليه ﴿ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ النساء : ١٠٠ ] فيستر بصفاته صفات من توجه إليه ويرحم من انقطع دون الوصول بما هو أهله، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ١٢٩ ـ ١٣٠﴾


الصفحة التالية
Icon