واعلم أنا بيّنا بالدليل أنه لا يجوز حمل الآية على ما ذكره، فسقط هذا العذر.
وذكر صاحب "الكشاف" وجهاً آخر فيه، فقال : إنهم لما ألفوا الاتمام، فربما كان يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر، فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر، فيقال له : هذا الاحتمال إنما يخطر ببالهم إذا قال الشارع لهم : رخصت لكم في هذا القصر، أما إذا قال : أوجبت عليكم هذا القصر، وحرمت عليكم الاتمام، وجلعته مفسداً لصلاتكم، فهذا الاحتمال مما لا يخطر ببال عاقل أصلاً، فلا يكون هذا الكلام لائقاً به.
الحجة الثانية : ما روي أن عائشة رضي الله عنها قالت : اعتمرت مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة، فلما قدمت مكة قلت يا رسول الله : بأبي أنت وأمي، قصرت وأتممت وصمت وأفطرت، فقال : أحسنت يا عائشة وما عاب علي، وكان عثمان يتم ويقصر، وما ظهر إنكار من الصحابة عليه.
الحجة الثالثة : أن جميع رخص السفر شرعت على سبيل التجويز، لا على سبيل التعيين جزماً فكذا ههنا، واحتجوا بالأحاديث منها ما روى عمر أنه ﷺ قال فيه " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " فظاهر الأمر للوجوب، وعن أبي عباس قال : كان النبي ﷺ إذا خرج مسافراً صلّى ركعتين.
والجواب : أن هذه الأحاديث تدل على كون القصر مشروعاً جائزاً، إلا أن الكلام في أنه هل يجوز غيره ؟ ولما دل لفظ القرآن على جواز غيره كان القول به أولى، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٥ ـ ١٦﴾
وقال القرطبى :
واختلف العلماء في حكم القصر في السفر ؛ فروي عن جماعة أنه فرض.
وهو قول عمر بن عبد العزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان ؛ واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها :"فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين" الحديث، ولا حجة فيه لمخالفتها له ؛ فإنها كانت تُتمّ في السفر وذلك يُوهِنُه.