الجواب عنه من وجهين : الأول : أن الانتقال من محلة إلى محلة إن لم يسم بأنه ضرب في الأرض، فقد زال الإشكال، وإن سمي بذلك فنقول : أجمع المسلمون على أنه غير معتبر، فهذا تخصيص تطرق إلى هذا النص بدلالة الإجماع، والعام بعد التخصيص حجة، فوجب أن يبقى النص معتبراً في السفر، سواء كان قليلاً أو كثيراً.
والثاني : أن قوله :﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأرض﴾ يدل على أنه تعالى جعل الضرب في الأرض شرطاً لحصول هذه الرخصة، فلو كان الضرب في الأرض اسماً لمطلق الانتقال لكان ذلك حاصلاً دائماً، لأن الإنسان لا ينفك طول عمره من الانتقال من الدار إلى المسجد، ومن المسجد إلى السوق، وإذا كان حاصلاً دائماً امتنع جعله شرطاً لثبوت هذا الحكم، فلما جعل الله الضرب في الأرض شرطاً لثبوت هذا الحكم علمنا أنه مغاير لمطلق الانتقال وذلك هو الذي يسمى سفراً ومعلوم أن اسم السفر واقع على القريب وعلى البعيد، فعلمنا دلالة الآية على حصول الرخصة في مطلق السفر، أما الفقهاء فقالوا : أجمع السلف على أن أقل السفر مقدر، قالوا : والذي يدل عليه أنه حصل في المسألة روايات :
فالرواية الأولي : ما روي عن عمر أنه قال : يقصر في يوم تام، وبه قال الزهري والأوزاعي.
الثانية : قال ابن عباس : إذا زاد على يوم وليلة قصر.
والثالثة : قال أنس بن مالك : المعتبر خمس فراسخ.
الرابعة : قال الحسن : مسيرة ليلتين.
الخامسة : قال الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير : من الكوفة إلى المداين، وهي مسيرة ثلاثة أيام، وهو قول أبي حنيفة.
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه إذا سافر إلى موضع يكون مسيرة يومين وأكثر اليوم الثالث جاز القصر، وهكذا رواه ابن سماعة عن أبي يوسف ومحمد.


الصفحة التالية
Icon