ومثله ما فعله عمر رضي الله عنه حين أجلى اليهود لقول رسول الله ﷺ ؛ فجعل لهم مقام ثلاثة أيام في قضاء أُمورهم.
قال ابن العربيّ : وسمعت بعض أحبار المالكية يقول : إنما كانت الثلاثة الأيام خارجة عن حكم الإقامة ؛ لأن الله تعالى أرجأ فيها من أنزل به العذاب وتيقّن الخروج عن الدنيا ؛ فقال تعالى :﴿ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [ هود : ٦٥ ].
وفي المسألة قول غير هذه الأقوال، وهو أن المسافر يقصر أبداً حتى يرجع إلى وطنه، أو ينزل وطناً له.
روي عن أنس أنه أقام سنتين بنَيْسابور يقصر الصلاة.
وقال أبو مِجلز : قلت لابن عمر : إني آتي المدينةَ فأُقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالباً حاجة ؛ فقال : صلّ ركعتين.
وقال أبو إسحاق السّبِيعي : أقمنا بسجِستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نُصلّي ركعتين.
وأقام ابن عمر بأَذْربِيجان يصلّي ركعتين ركعتين ؛ وكان الثلج حال بينهم وبين القُفُول : قال أبو عمر : محمل هذه الأحاديث عندنا على أن لا نية لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدّة ؛ وإنما مثل ذلك أن يقول : أخرج اليوم، أخرج غداً ؛ وإذا كان هكذا فلا عزيمة هاهنا على الإقامة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣٥٣ ـ ٣٥٨﴾. بتصرف يسير.

فصل


قال الفخر :
زعم داود وأهل الظاهر أن جواز القصر مخصوص بحال الخوف.
واحتجوا بأنه تعالى أثبت هذا الحكم مشروطاً بالخوف، وهو قوله ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ﴾ والمشروط بالشيء عدم عند عدم ذلك الشرط، فوجب أن لا يحصل جواز القصر عند الأمن.
قالوا : ولا يجوز رفع هذا الشرط بخبر من أخبار الآحاد، لأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد وإنه لا يجوز، ولقد صعب هذا الكلام على قوله ذكروا فيه وجوهاً متكلفة في الآية ليتخلصوا عن هذا الكلام.


الصفحة التالية
Icon