والتحقيق : أن حركة اللسان بالكلام لا تكون متساوية الطرفين بل إما راجحة وإما مرجوحة لأن للسان شأنا ليس لسائر الجوارح وإذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول :" اتق الله فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " وأكثر ما يكب الناس على مناخرهم في النار حصائد ألسنتهم وكل ما يتلفظ به اللسان فإما أن يكون مما يرضى الله ورسوله أولا فإن كان كذلك فهو الراجح وإن لم يكن كذلك فهو
المرجوح وهذا بخلاف سائر الجوارح فإن صاحبها ينتفع بتحريكها في المباح المستوى الطرفين لما له في ذلك من الراحة والمنفعة فأبيح له استعمالها فيما فيه منفعة له ولا مضرة عليه فيه في الآخرة وأما حركة اللسان بما لا ينتفع به فلا يكون إلا مضرة فتأمله.
فإن قيل : فقد يتحرك بما فيه منفعة دنيوية مباحة مستوية الطرفين فيكون حكم حركته حكم ذلك الفعل.
قيل : حركته بها عند الحاجة إليها راجحة وعند عدم الحاجة إليها مرجوحة لا تفيده فتكون عليه لا له.
فإن قيل : فإذا كان الفعل متساوي الطرفين كانت حركة اللسان التي هي الوسيلة إليه كذلك إذ الوسائل تابعة للمقصود في الحكم.
قيل : لا يلزم ذلك فقد يكون الشيء مباحا بل واجبا ووسيلته مكروهة كالوفاء بالطاعة المنذورة هو واجب مع أن وسيلته وهو النذر مكروه منهى عنه وكذلك الحلف المكروه مرجوح مع وجوب الوفاء به أو الكفارة وكذلك سؤال الخلق عند الحاجة مكروه ويباح له الإنتفاع بما أخرجته له المسألة وهذا كثير جدا فقد تكون الوسيلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم لأجلها وما جعلت وسيلة إليه ليس بحرام ولا مكروه.
فصل
وأما العبوديات الخمس على الجوارح : فعلى خمس وعشرين مرتبة أيضا. إذ الحواس خمسة وعلى كل حاسة خمس عبوديات.
فعلى السمع : وجوب الإنصات والإستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه من
استماع الإسلام والإيمان وفروضهما وكذلك استماع القراءة في الصلاة إذا جهر بها الإمام واستماع الخطبة للجمعة في أصح قولي العلماء.