فتفرّعت لما ذكرنا الآراء المتباينة، والأحوال المختلفة، والمنازل المتفاوتة، والمقاصد والتوجّهات، فمن عرف مراتب الوجود وحقائق الأسماء عرف سرّ العقائد والشرائع والأديان والآراء على اختلاف ضروبها وكيفيّة تركيبها وانتشائها، وسنلمع لك بيسير من هذا الباب، فاتّخذه أنموذجا ومفتاحا، تعرف سرّ ما أشرنا إليه - إن شاء اللّه -
وصل
في قبلة العقول والنفوس والإنسان اعلم، أنّ قبلة العقول مطلقا أحديّة معنى الأمر، لكن من حيث استنادها إليه، لا من حيث هو.
وقبلة النفوس التجلّي الكثيبيّ، وله آخر درجات الظهور، وأوّل درجات باطن الظاهر.
وللمشبّهة أحد وجهي هذه الدرجة، وما اتّصل بها من التجلّي البرزخيّ المشار إليه، ويختصّ بإنسانيّة روح الأمر. وقبلة أهل السنّة والجماعة ومن شاء اللّه من أهل الشرائع الماضية روح الأمر ومرتبته معا، وله تنزيه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وتشبيه
" اعبد اللّه كأنّك تراه ".
وأعلى مراتبه ظاهر العماء.
وقبلة العارفين وجود مطلق الصورة الربّانيّة، وظاهر الحقّ.
وقبلة المحقّقين وجود الحقّ، ومرتبته الجامعة بين الوجود والمراتب من غير تفرقة وتعديد.
وقبلة الراسخين مرتبة الحقّ من حيث عدم مغايرتها له وانضياف صورته سبحانه - التي حذى آدم عليها - إليها، ولها حضرة أحديّة الجمع، فافهم.
وأمّا قبلة الإنسان - الحقيقي، الذي هو العبد الأخلص الأكمل - فقد مرّ ذكرها آنفا عند الكلام في الوجهة والتوجّه، لكنّني تركت من أسراره ما يجلّ وصفه، ويحرم كشفه، مع أنّي
قد ألمعت بطرف منه في آخر ما ذكرته في مجازاة العبد المخلص، وقبل ذلك في سرّ الحضور مع الحقّ، على الوجه الأتمّ، وبيّنت منه نكتا نفيسة في مواضع متفرّقة من هذا الكتاب، يتفطّن لها اللبيب - إن شاء اللّه -
وصل


الصفحة التالية
Icon