اعلم، أنّه قد ذكرنا في لفظة " إيّاك " ما يقتضيه حكم اللسان وما لا حاجة إلى إعادته، أو ذكر مثله، كما لا حاجة أيضا إلى ذكر كلّيّات أسرار بقيّة السورة لأنّا إنّما الكتاب بالكلام على الأصول الكلّيّة، وأمّهات الحكم والعلوم والأسرار العليّة، ليكتفي بها اللبيب حيثما أحيل عليها، فإنّ المقصود الإلماع والإيجاز، لا التصريح والإطناب، فهذه أصول ومفاتيح كلّيّة من فهمها وعرف كيف يطّرد حكمها فيما هو فرع عليها وتبع لها، عرف معظم أسرار القرآن العزيز، بل وسائر الكتب، فلا تتّكل بعد على البسط للكلام منّي، فقد اتّكلت على مزيد فهم وتأمّل منك - إن شاء اللّه تعالى - وإنّما أذكر فيما بعد عقيب الفراغ من وظيفة الظاهر ما تتضمّنه بقيّة السورة مما يختصّ بكلّ آية آية منها من الحكم والأسرار الباطنة، وما بعد الباطن كما سبق به الوعد - إن شاء اللّه تعالى - ولنشرع - بعد هذا التقرير والاكتفاء في ظاهر " وإيّاك " الثاني بما مرّ في " إيّاك " الأوّل - في الكلام بلسان الباطن، فنقول :
اعلم، أنّ متعلق الإشارة من وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليس هو متعلّق الإشارة من إِيَّاكَ نَعْبُدُ لأنّ الأوّل إشارة إلى الأمر الذي ثبت استحقاقه للعبادة عند العابد، وصار منتهى مدى مقصده ووجهته، بحسب علمه أو شهوده، أو اعتقاده المتحصّل من موادّ الظنون والتخيّلات المنبّه عليها من قبل.
ومتعلّق الإشارة من وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليس مطلق ذلك المعبود من كونه معبودا فقط، بل من حيث إنّ له صلاحيّة أن يعين من يعبده فيما لا يستقلّ به العابد إذا طلب الإعانة منه، وفي طلب الاستعانة من العبد دعوى ضرب من الاستطاعة، بصورة تعريف بحالة في العبادة، وعلمه بمكانة المعبود، وما يعامل به، مع اعتراف خفيّ بعدم الاستقلال، وكأنّه يقول : أجد