أما بيان أن الأمهات الثلاثة في مقابلة الأمهات الثلاثة فنقول : إن من عرف الله وعرف أنه لا إله إلا الله تباعد عنه الشيطان والهوى ؛ لأن الهوى إله سوى الله يعبد، بدليل قوله تعالى :﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾
[ الجاثية : ٢٣ ] وقال تعالى لموسى : يا موسى، خالف هواك فإني ما خلقت خلقاً نازعني في ملكي إلا الهوى، ومن عرف أنه رحمن لا يغضب، لأن منشأ الغضب طلب الولاية، والولاية للرحمن لقوله تعالى :﴿الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن﴾
[ الفرقان : ٢٦ ] ومن عرف أنه رحيم وجب أنه يتشبه به في كونه رحيماً وإذا صار رحيماً لم يظلم نفسه، ولم يلطخها بالأفعال البهيمية.
وأما الأولاد السبعة فهي مقابلة الآيات السبع، وقبل أن نخوض في بيان تلك المعارضة نذكر دقيقة أخرى، وهي أنه تعالى ذكر أن تلك الأسماء الثلاثة المذكورة في التسمية في نفس السورة، وذكر معها اسمين آخرين : وهما الرب، والمالك ؛ فالرب قريب من الرحيم، لقوله :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ﴾
[ ياس : ٥٨ ] والمالك قريب من الرحمن، لقوله تعالى :﴿الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن﴾
فحصلت هذه الأسماء الثلاثة : الرب والملك، والإله، فلهذا السبب ختم الله آخر سورة القرآن عليها، والتقدير كأنه قيل : إن أتاك الشيطان من قبل الشهوة فقل :﴿أَعُوذُ بِرَبّ الناس﴾
[ الناس : ١ ] وإن أتاك من قبل الغضب فقل :﴿مَلِكِ الناس﴾
[ الناس : ٢ ] وإن أتاك من قبل الهوى فقل :﴿إله الناس﴾
[ الناس : ٣ ].


الصفحة التالية
Icon