وقوله ﴿وَزُلَفاً مِّنَ الليل﴾ يفيد وجوب المغرب والعشاء، وكان بعضهم يستدل بهذه الآية على وجوب الوتر قال : لأن الزلف جمع، وأقله ثلاثة، فلا بدّ وأن يجب ثلاث صلوات في الليل عملاً بقوله ﴿وَزُلَفاً مِّنَ الليل﴾ وخامسها : قوله تعالى ﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءانَاء الليل فَسَبّحْ﴾ فقوله ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [ طه : ١٣٠ ] إشارة إلى الصبح والعصر، وهو كقوله ﴿وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل﴾ [ هود : ١١٤ ] وقوله ﴿وَمِنْ ءانَاء الليل﴾ إشارة إلى المغرب والعشاء، وهو كقوله ﴿وَزُلَفاً مِّنَ الليل﴾ وكما احتجوا بقوله ﴿وَزُلَفاً مِّنَ الليل﴾ فكذلك احتجوا عليه بقوله ﴿وَمِنْ ءانَاء الليل﴾ لأن قوله آناء الليل جمع وأقله ثلاثة، فهذا مجموع الآيات الدالة على الأوقات الخمسة للصلوات الخمس.
واعلم أن تقدير الصلوات بهذه الأوقات الخمسة في نهاية الحسن والجمال نظراً إلى المعقول، وبيانه أن لكل شيء من أحوال هذا العالم مراتب خمسة : أولها : مرتبة الحدوث والدخول في الوجود، وهو كما يولد الإنسان ويبقى في النشو والنماء إلى مدة معلومة، وهذه المدة تسمى سن النشو والنماء.
والمرتبة الثانية : مدة الوقوف، وهو أن يبقى ذلك الشيء على صفة كماله من غير زيادة ولا نقصان وهذه المدة تسمى سن الشباب.
والمرتبة الثالثة : مدة الكهولة، وهو أن يظهر في الإنسان نقصانات ظاهرة جلية إلى أن يموت ويهلك، وتسمى هذه المدة سن الشيخوخة.