وما أحسن اتصال ذلك بأول آيات الجهاد في هذه السورة ﴿يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم﴾ [ النساء : ٧١ ] فهو من رد المقطع على المطلع، ثم علل أمره بهذه الكيفية على هذا الاحتياط والحزم بقوله مقوياً لترغيبهم في ذلك بإقبال الخطاب عليهم :﴿ودَّ﴾ أي تمنى تمنياً عظيماً ﴿الذين كفروا﴾ أي باشروا الكفر وقتاً ما، فكيف بمن هو غريق فيه ﴿لو تغفلون﴾ أي تقع لكم غفلة في وقت ما ﴿عن أسلحتكم ﴾.
ولما كانت القوة بالآلات مرهبة للعدو ومنكبة قال :﴿وأمتعتكم﴾ ولما كانت الغفلة ضعفاً ظاهراً، تسبب عنها قوله :﴿فيميلون﴾ وأشار إلى العلو والغلبة بقوله :﴿عليكم﴾ وأشار إلى سرعة الأخذن بقوله :﴿ميلة﴾ وأكده بقوله :﴿واحدة ﴾.
ولما كان الله - وله المنّ - قد رفع عن هذه الأمة الحرج، وكان المطر والمرض شاقين قال :﴿ولا جناح﴾ أي حرج ﴿عليكم إن كان بكم أذى﴾ أي وإن كان يسيراً ﴿من مطر﴾ أي لأن حمل السلاح حينئذ يكون سبباً لبلّه ﴿أو كنتم مرضى﴾ أي متصفين بالمرض وكأن التعبير بالوصف إشارة إلى أن أدنى شيء منه لا يرخص ﴿أن تضعوا أسلحتكم﴾ أي لأن حملها يزيد المريض وهنا.
ولما خفف ما أوجبه أولاً من أخذ السلاح برفع الجناح في حال العذر، فكان التقدير : فضعوه إن شئتم ؛ عطف عليه بصيغة الأمر إشارة إلى وجوب الحذر منهم في كل حال قوله :﴿وخذوا حذركم﴾ أي في كل حالة، فإن ذلك نفع لا يتوقع منه ضرر ؛ ثم علل ذلك بما بشر فيه بالنصر تشجيعاً للمؤمنين، وإعلاماً بأن الأمر بالحزم إنما هو للجري على ما رسمه من الحكمة في قوله - ربط المسببات بالأسباب، فهو من باب " اعقلها وتوكل " فقال :﴿إن الله﴾ المحيط علماً وقدرة ﴿أعدَّ﴾ أي في الأزل ﴿للكافرين﴾ أي الدائمين على الكفر، لا من اتصف به وقتاً ما وتاب منه ﴿عذاباً مهيناً﴾ أي يهينهم به، من أعظمه حذركم الذي لا يدع لهم عليكم مقدماً، ولا تمكنهم معه منكم فرصة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٠٧ ـ ٣٠٩﴾