اسْتِدْلَالًا بِنَحْوِ عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (٩ : ٤٣)، وَ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (٨ : ٦٧)، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَسْأَلَةُ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَوِّضَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى نَبِيٍّ حُكْمَ أُمَّةٍ بِأَنْ يَقُولَ : احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِاجْتِهَادِكَ وَمَا حَكَمْتَ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ، أَوْ وَأَنْتَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ : أَقَرَّ بِهِمَا الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ ; لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ لَهُ إِصَابَةُ الْحَقِّ، وَكُلُّ مَضْمُونٍ لَهُ ذَلِكَ، جَازَ لَهُ الْحُكْمُ.
أَوْ يُقَالُ : هَذَا التَّفْوِيضُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَائِزًا انْتَهَى كَلَامُ الطُّوفِيِّ.
أَقُولُ : الْآيَةُ فِي الْحُكْمِ بِكِتَابِ اللهِ لَا فِي الِاجْتِهَادِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ; لِأَنَّ هَذَا فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحْيًا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَنْقَطِعُ أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً، وَأَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَنْتَظِرُ الْوَحْيَ، كَمَا كَانَ يُسْأَلُ أَحْيَانًا فَيُجِيبُ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ لِلْوَحْيِ.
وَاسْتَغْفِرِ اللهَ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ :" وَسَلْهُ أَنْ يَصْفَحَ لَكَ عَنْ عُقُوبَةِ ذَنْبِكَ فِي مُخَاصَمَتِكَ عَنِ
الْخَائِنِ "، وَأَوْرَدَ الرَّازِيُّ فِي الِاسْتِغْفَارِ ثَلَاثَةَ وُجُوهٍ :