يُوَجَّهُ بِهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّازِيُّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَاتِ، وَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَبْلَغُ فِي تَنْزِيهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَلِيقُ بِهِ، أَمَّا الْعِصْمَةُ فَلَا يَنْقُضُهَا شَيْءٌ مِمَّا وَرَدَ وَلَا الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْحُكْمِ أَوِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ مَا أَوْحَاهُ اللهُ - تَعَالَى - إِلَيْهِمْ أَوْ مَا يَرَوْنَ بِاجْتِهَادِهِمْ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْكُمْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَاتِ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَأْيِيدٌ لِلْحَقِّ، وَلَكِنَّهُ أَحْسَنَ الظَّنَّ فِي
أَمْرٍ بَيَّنَ لَهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ حَقِيقَةَ الْوَاقِعِ فِيهِ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ فِي مُعَامَلَةِ ذَوِيهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا، أَيْ : كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ مِثْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِرَارًا.
وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ، أَيْ : يَخُونُونَهَا، بَلْ يَتَعَلَّمُونَ وَيَتَكَلَّفُونَ مَا يُخَالِفُ الْفِطْرَةَ مِنَ الْخِيَانَةِ الَّتِي تَعُودُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالضَّرَرِ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ يُوجَدُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَهَذَا النَّهْيُ لَمْ يَكُنْ مُوَجَّهًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَشْرِيعٌ وُجِّهَ إِلَى الْمُكَلَّفِينَ كَافَّةً ;